مرحلة ما بعد الإنتاج في صناعة الأفلام: ما هي وكيف تحدث؟
عندما يعلن مخرج الفيلم انتهاء عملية التصوير، تتوقف الكاميرات عن العمل، ويكون الفيلم جاهزًا للانتقال إلى مرحلته النهائية: مرحلة ما بعد الإنتاج.
هذه هي الخطوة الأخيرة في نقل قصة العمل من مرحلة التصوير وتحرير اللقطات إلى الشاشة، وهي المرحلة التي يخرج في نهايتها الفيلم إلى الضوء.
وهي التي تُمثِّل الخطوات النهائية التي تجعل الفيلم متماسكًا (حرفيًّا)، إذًا ما المقصود بمرحلة ما بعد الإنتاج؟ ومن يشارك فيها؟ وما الذي يجب مراعاته قبل أن يبدأ العمل فيها؟ لنُلقِ نظرة معًا.
ما هي مرحلة ما بعد الإنتاج؟
مرحلة ما بعد الإنتاج هي عملية تحرير المواد الصوتية والمرئية لإنشاء فيلم. وفيها يجمع المحرر اللقطات التي اُلتقطت خلال مراحل بالتصوير، ويضيف الموسيقى، ويُدمج المؤثرات المرئية والصوتية.
يجري نسج هذه العناصر معًا لإنشاء تجربة تُثري الحواس نسميها “فيلمًا”.
مرحلة ما قبل الإنتاج، ومرحلة الإنتاج
يشير مصطلح ما قبل الإنتاج إلى المرحلة الأولية من البحث، واختيار الممثلين واستكشاف مواقع التصوير. يحدث ذلك قبل أن يبدأ الإنتاج، والذي يمثِّل عملية التصوير الفعلي.
تحدث مرحلة ما بعد الإنتاج السينمائي بعد اكتمال عملية التصوير، ولكن قد يجري تضمين بعض عناصر التصوير، مثل إعادة تصوير بعض اللقطات الإضافية أو إضافة تعليق صوتي، في مرحلة ما بعد الإنتاج.
مراحل عملية ما بعد الإنتاج
إنَّ مرحلة ما بعد الإنتاج عملية تعاونية جيدة التنظيم يمكن أن تستغرق من عدة أشهر إلى سنة أو أكثر، وذلك وفقًا لنطاق المشروع وميزانيته، وتتضمن المراحل الآتية:
-
مرحلة التحرير
تُعدُّ المجموعة التي تعمل على تحرير الفيلم مركز القيادة لمرحلة ما بعد الإنتاج التلفزيوني.
ففي البداية تنقل لقطات الفيلم إلى أحد برامج التحرير، ولعلَّ أشهرها أفيد Avid وفاينال كات برو Final Cut Pro. ثمَّ يبدأ المحرر “قصّ” الفيلم مسترشدًا برؤية المُخرج.
وعلى الرغم من أنَّ المحررين يعملون على نسُخٍ مصورةٍ رقْميًّا، ولم يعودوا يقصون الفيلم ويلصقونه في مكان آخر، فإنَّ كلمة “قص” ما تزال مستخدمة في مرحلة ما بعد الإنتاج.
-
تحرير الصوت
يرى البعض أنَّ الصَّوت لا يقل أهمية عن الصورة في خلق تجربة حسِّية ممتعة للجمهور. محررو الصوت مسؤولون عن تجميع المسارات الصوتية للفيلم، وإزالة الضوضاء غير المرغوب فيها، وإنشاء المؤثرات الصوتية.
ينشئ فنانو الصوت الأصوات التي سجلتها الكاميرا أو يعزِّزونها، مثل أصوات خطًى تُسمعُ على أرضيات البلاط.
-
تسجيل الموسيقى
من الأفضل دائمًا العمل مع ملحن والحصول على مسار صوتي أصلي لفيلمك، بدلاً من صُداع الحصول على ترخيص لموسيقى أشخاص آخرين.
صحيح أنَّه يمكنك الحصول على أي مقاطع موسيقية تريدها، لكنَّها ستكون باهظة الثمن، وسيتولى المسؤول عن الموسيقى تأمين حقوق التسجيل والنشر (لا تنسَ تجديد تلك التراخيص لاحقًا).
-
المؤثرات البصرية
يُشكِّل الفنانون والمهندسون فريق المؤثرات الخاصة. إنَّهم يصممون العناصر المرئية التي أنشئت بواسطة الكمبيوتر من أجل الفيلم.
من أشهر أمثلة المؤثرات البصرية التنانين في مسلسل صراع العروش Game of Thrones، لكن بالطبع، لن تتطلب العديد من المشاريع مثل هذه التأثيرات.
لذا بعض التأثيرات البصرية تكون أصغر بكثير من تحليق التنانين في الهواء، فهي قد تعني انفجارًا بسيطًا، إذ تكون التفجيرات باهظة الثمن أو خطيرة للغاية في أثناء مرحلة الإنتاج.
-
مزج الصوت
عند الانتهاء من جميع المسارات الصوتية، تتدخل أجهزة مزج الصوت لضبط مستويات الصوت.
هذه الخطوة ضرورية، إذ يمكن لقوة الصوت أن تطغى بسهولة على المشهد إذا كانت الموسيقى عالية جدًّا في أثناء تحدث الشخصيات، أو قد تشتت الانتباه عن السرد إذا كان الصوت منخفضًا جدًّا، فلا يستطيع الجمهور سماع ما يحدث.
-
تصحيح الألوان
عندما تُقفل اللقطات، أي عند عدم وجود المزيد من التعديلات أو التغييرات، يمر خبير تصحيح الألوان على كل لقطة لضبط الألوان والضوء وصقلها رقْميًّا، لخلق الإحساس بالاستمرارية وإضفاء حالة مزاجية معينة.
-
إضافة العناوين وشارات البداية والنهاية
في هذه المرحلة، يُنشئ المحررون العناوين وشارات البداية والنهاية، وأي رسومات ضرورية، ويضيفونها.
الشارة الافتتاحية هامة للغاية؛ فهي تُعطي انطباعات أولية تُشكِّل فرصة لالتقاط سمة ومزاج الفيلم، كما قد تجذب الجمهور منذ البداية.
لعلَّ أشهر مثالٍ عنها هو عبارة “هذا الفيلم مأخوذ عن قصة حقيقية”، و”هذا العمل مُهدى إلى فلان”.
لا تتطلب شارة النهاية قدرًا كبيرًا من الإبداع، لكن قليلاً منه لن يضُر، ومع ذلك، فإن ما يجب الانتباه إليه هنا هو الدقة والاحترافية، إذ لا يجبُ إغفال دور أي شخص أو جهة عملت على المشروع.
-
الترويج للفيلم
بما أنَّ الانطباعات الأولية في غاية الأهمية، لذا يجب الإعلان عن مشروعك من أجل جذب الناس على الفور. بالنظر إلى كم المحتوى الموجود في العالم في الوقت الحالي، يكون الأشخاص أكثر انتقائية لما يريدون مشاهدته.
غالبًا ما يروَّج للفيلم من خلال وسيلتين اثنتين، هما:
-
بوستر الفيلم
قد يكون هذا البوستر أول صورة يراها الجمهور، لذا يجب أن تُوصِّلَ صورةُ الفيلم والممثلين والشعار على هذا البوستر رسالة واضحة تجعل الجمهور يفهم بالضبط طبيعة الفيلم بطريقة واضحة وجذابة.
-
الفيديو الترويجي (التريلر)
اصنع مقطعًا دعائيًّا مدته من دقيقة إلى دقيقتين. لعمل ذلك، استعن بخبرات محرري الإعلانات، ودعهم يتولوا الأمر.
هؤلاء لا يكونون من العاملين على الفيلم، لذا يأتون بـ “عيون جديدة” إذا صح التعبير. لدى هؤلاء الكثير من الخبرة في معرفة أكثر الأجزاء إثارةً وتأثيرًا في الفيلم، لذا يقدمون أفضل خِدمات ما بعد الإنتاج.
أدوات التحرير المستخدمة في مرحلة ما بعد الإنتاج
في السابق، كانت مرحلة ما بعد الإنتاج عملية يدوية، إذ كان يجري قص بكرات الفيلم وتقسيمها، ومن ثمَّ لصقها معًا.
اليوم، تُقصُّ معظم الأفلام والعروض باستخدام أنظمة تحرير رقْمية. اكتسبت هذه البرامج قوة جذب في أوائل التسعينيات، وأحدثت ثورة في مرحلة ما بعد الإنتاج من خلال جعل عملية التحرير أسرع وأسهل.
تُحمَّل مقاطع الفيديو على الكمبيوتر، وتُحفظ في صيغة مِلفات رقْمية، وتنظَّم في صناديق Bins، وهو المصطلح الذي يُشير إلى المجلدات في مرحلة ما بعد الإنتاج. يسترد المحررون مقطعًا بالنقر فوق المِلف، على غرار العمل مع المستندات الأخرى.
يحتوي الفيلم على مسار لكل عنصر، مثل الفيديو أو الموسيقى أو المؤثرات الصوتية، مما يسمح للمحررين بضبط موضع ومستويات كل عنصر على حدة.
في الختام
من دون مرحلة ما بعد الإنتاج، لن يكون هنالك منتج نهائي، بل مجرد لقطات قد تحكي أو لا تحكي القصة التي يُريد صنَّاع الفيلم إيصالها إلى المُشاهدين. ونتيجة لذلك، لا يمكن عرض فيلمٍ لم يخضع لعملية ما بعد الإنتاج.
الآن بعد أن عرفت كل ما تريد معرفته عن مرحلة ما بعد الإنتاج، لا تتوقف عند هذا الحد؛ فهناك الكثير الذي يمكنك تعلمه. ماذا تنتظر؟
تواصل معنا لتعرف تفاصيل إضافية عن هذه المرحلة، ودعنا نضع عنك اللمسات الأخيرة التي تلعب دورًا حاسمًا في إخراج أي فيلم إلى النور.